
مدونة عبدالرحيم محمد صالح
القمر الروسي
عبدالرحيم محمد صالح
أمضينا طفولتنا بين لينٍ وقسوة غدواً ورجعة وبعض الذكريات! بعض أحدث الطفولة تتبخر وتذهب كسرب حمامٍ ما عاد إلى أقنانه وبعضها يبقى ويظل راسخاً كالحجر الأصم "الـ عمرو لا زحّ ولا نضم"! قيل لنا إنه في سنة ١٩٥٧م، رأى أحد أعمامي، عليه رحمة الله ، رؤية عجيبة طار خبرها وانتشر وأخافت الناس. رأى النجوم في السماء تمشي. ظنّ البعض أنّ موعد القيامة قد اقترب واستفتوا الفقرا وضاربي الرمل ولم يجدوا لذلك تفسيراً. أمر الفقرا الناس بكرامة البليلة، وطلبوا من عمي إلا ينام إلا تحت سقف وألا يخلع طاقيته إلا "للشديد القوي". أمضى الناس ثلاث ليالٍ يُحدّقون ويحسبون فيها نجوم السماء! وفي اليوم الرابع بعد الرؤية وتحديداً يوم ٤ أكتوبر ١٩٥٧م أطلق الإتحاد السوفيتي القمر الصناعي سبوتنك ـ١ (ومعناها حرفياً "رفيق في الطريق") وكان أول قمر اصطناعي ينطلق إلى الفضاء في إطار برنامج الفضاء السوفيتي. ظل القمر الاصطناعي يعمل٣ أسابيع وقد رآه الناس في أرجاء المعمورة نجماً سيّار حتى نفدت بطارياته وسقط داخل الغلاف الجوي في 4 يناير 1958. رغم أن الإذاعات العربية أطلقت عليه اسم القمر السيّار إلا الناس في البلد اسموه “القمر الروسي" وقد تغنوا بـه للمحبوبات وألهبوا ظهورهم بالسياط "القمر الروسي الـ سار جديد واي أنا العيّان شديد" وعندما انطلقت مركبة الفضاء السوفيتية فوستوك ١ تحمل أول إنسان خارج الغلاف الجوي اسمينا أحد .ومنذ ذلك الوقت استمرّ الروس في الصناعة والاختراع ونحن الغنا ودق السوط وكان آخر أغانينا ونحنُ "نطير ونندق" في وصف المدفع الروسي الشهير في الحرب مع أوكرانيا "نهدك مدفع الروس الـ ضرب أُوكرانيا"
الحجُّ إلى جبل العشمون
عبدالرحيم محمد صالح
كان عليّ أن أحمي وجهي وعينيّ من عاصفة رملية قوية بدأت تهب بعد المغيب فور دخولي وادي الحويلة على ظهر ناقة في الصحراء الشرقية في منتصف التسعينات من القرن الماضي. لا أعرف السبب الذي جعلني أبدأ في حداء قديم سمعته من عمي حُمّد أحمد ود حسنة "شوف الجنا قليل الهِمّي ما بيعرف يلف العِمّي" ولا أعرف ما همز الناقة ربما أرادت أن تسبق العاصفة فانطلقت "ترقل" لم أشاء التحكم بوجهتها بقدر ما كان همي التشبث بسرجها طالما سارت في اتجاه الجنوب الغربي. لم تقف الناقة إلا بعد سكون العاصفة! وحين فتحت عيني لم أعرف المكان فقررت المبيت. نمتُ والليل يحتضر حتى أوشكت الشمس على الشروق حين أيقظتني حركة الناقة! وجدتُ نفسي في "خلا قِط" لا أثر لنبات أو حياة وبدت الأرض وكأنها ظلت هكذا منذ نشأة الخلق. لا شيء غير مذاق الهواء الجاف وهج الشمس الحارقة والقسوة وأضلاع الكثبان العظيمة تمتد بلانهاية !بدا جبل العشمون أمامي غير بعيد، على عكس جبل الكاب والذي يتكون من عشرة جبال تجاور بعضها، جبل العشمون جبل واحد. حين وصلت الناحية الجنوبية لسفح الجبل انزعجت الناقة وبدأ الاضطراب بائناً على حركة أذنيها. نظرت فاذا بشيء بدا وكأنه شخص نائم! نزلت وقدت الناقة إلى مكان الشخص قرب حجر في سفح الجبل، فوجدت جثة لرجل كبير في السن جافة تماماً كما هي لم يمسها شيء لا حيوان ولا حشرات منذ زمن طويل، جوارها بقجة وابريق. التقطت بعض الصور لكني كنت حريصاً ألا ألمس شيء. وصلت مروي بعد ثلاثة أيام وأبلغت الشرطة بما رأيت. أرسلت الشرطة تيم مختص لمعاينة الجثة. ورد في تقرير الشرطة "جثة لرجل مجهول الاسم مجهول الهوية مجهول الجنسية، ليست لديه أوراق ثبوتية" وجدوا ضمن مقتنياته مدية وعلبة كبريت ومصحف بخط اليد وابريق، ربما كان من سكان غرب أفريقيا الذين درجوا أن يذهبوا الى الأراضي المقدسة سيراً على الأقدام ليقضوا بقية عمرهم هناك ليجاوروا. كأنه أفرغ جوفه من متاع الدنيا وترك نفسه يحملها توق نبع من وجدانه ليجاور .جلست أتامل!!ما اسمه؟ من أين أتى؟ ابنٌ بار؟ ابٌ عطوفٌ؟ وهل يعلم أهله أن مات تحت سفح جبل العشمون؟ كيف قادته أقداره المستورة في اللوح المحفوظ ليدخل في ذلك "السر" و"النسيان" في وحدة تامة مستوحشاً في ذلك القفر المحيط دون أي أثر يدل عليه !صدق الحق "وَما تدرِي نفسٌ بأَيِّ أَرضٍ تموت".