Sunday, October 12, 2025

روزا والسواقة بالخلا عبدالرحيم محمد صالح

 

                                                          روزا والسواقة بالخلا
                                                       عبدالرحيم محمد صالح
في ثمانينات القرن الماضي، في زمن لم يكن فيه للإنترنت وجود، ولا للبحث العلمي ملاذ سوى رفوف المكتبات المتربّة، كنا طلاباً في الجامعة، نتلقّى العلم من أفواه أساتذتنا، يقيناً لا يُراجع. وذات سمستر، حضر إلينا أستاذ زائر، جاء ليملأ مكان أستاذنا الأصلي، الذي خرج في إجازة "السابتيكال" ، ذاك الطقس الأكاديمي المعروف الذي يتخفّى فيه الأساتذة وراء البحث! المهم، جاء الأستاذ البديل يحدثنا عن روزا لوكسمبورغ والماركسية! وفاجأنا، لا فضّ فوه، بقوله نصّا لا تفسيراً وبيقين يُحسد عليه" كنت أظن أن روزا لوكسمبورغ امرأة، لكنني، وبعد مراسلات معها، اكتشفت أنه رجل!". وسجّلنا في دفاترنا هذا "الكشف التاريخي"، وانتشينا بالمعرفة، فقد زُفّت إلينا معلومة لم ترد حتى في كتب الرفيق لينين! ومضت الأعوام، وتقلّبت الأيام، وها أنا بعد سنوات، في زيارة إلى برلين، متوجّه صوب برج التلفزيون Berliner Fernsehturm، فإذا بي أمرُّ بساحة جميلة، مستديرة، نظيفة على غير ما عرفت من مياديننا وإذا بلافتة كُتب عليها: "تذكار روزا لوكسمبورغ"Rosa‑Luxemburg‑Platz . تأمّلت، قرأت، تحقّقت... فإذا هي امرأة فعلاً، لا شَكّ في ذلك. لا رجل، ولا متحوّلة، ولا شخصية افتراضية. بل تبيّن أنها مناضلة من أصل بولندي قُتلت عام 1919، أي قبل أن يُولد أستاذنا بما لا يقل عن نصف قرن!! فكيف تراسل معها؟ اللهم إلا إذا كان في جلسة استحضار الأروح؟ قرأت فيما بعد كتابها الشهير المدهش "رسائل من السجن" (Briefe aus dem Gefängnis) وآرائها في ومناهضة النزعة العسكرية، والحركة الأممية البروليتارية. ما قاله لنا أستاذنا الهمام لا علاقة له بأفكارها. ما عرفت هل أبكي على روزا أم أبكي على السواقة بالخلا؟
 

No comments:

Post a Comment