طويل هدبا (من حكاوينا)
المحلبية من عندي الأيكولوجيا من
البلد
عبدالرحيم محمد صالح
تزوج الجمل الضفدعة (القعونجة) وينام كل ليلة على
صوتها وهي تعزف سيمفونية النقنوق (صوت الضفادع) رقم واحد وخمسين (غووغ غووغ غووغ
غووغ، مكررة يفصل بينها مدّ وترجيع) وهو يقطع الجِرّة مستكيناً (يجر ويقرض ويبلع
ويكتم ويرجع) كأنه يستمع إلى استراوس في سيمفونية "على ضفاف الدانوب الأرزق" وعاشا عيشة هنية وحياة
رضية، ينعمان فيها بالسكينة والهدوء وراحة البال، ايقاعات النقنوق تُذكّره أيامه
الخوالي، أيام الهجانة، أيام العتامير، بوديانها وصحاريها وفلواتها ومفازاتها التي
كان يقطعها جئية وذهابا، درب الأربعين، دروب العتامير، عتمور اب حمد، عتمور القعب،
عتمور عتباي، عمتور المحيلة، إلى دراو وحتى المحروسة؛ تُذكّره أيام الكور
والباصور، الحَوية، القيد والرسن والزمام والقلادة واللبب والغردة والهسكة؛
تُذكّره ريحة الدعاش صوت البنادق وريحة البارود وصوت الحادي والنمة والدوبيت،
تُذكّره السبق والميس والهسيس والرقل والدرمسة والقَرب والكربتة ويقول في نفسه "الله يخت السكة حديد
ال خلتنا بدون شغل" "يرعى غنم ابليس" سارحاً ثم يقول في نفسه ياما
مشينا وأكلنا أكان البطن بتتكفى! أكلنا التمام، التبس، السلم، السيال، السدر،
الشباهي، الدرمان، المخيط، والسنط، الحراز، اﻷراك، السٌال، المرميت، الطندب،
المرخ، السنط ،الطلح، والطرفا، والإتل، العَلَقة، العبل حتى المغفل وشدرة الفأس.
طبّقت ثوب البنقال ووضعته على كراب العنقريب جلست بقربه على التبروقة ممدةً رجليها تهبب وجهها من الحر بطرف طرحتها تتذكر أماتها وأخواتها وأيام المرح والحبور، قالت مخاطبةً طويل هدبة: حليل أيام الدميرة حيث يمتلئ حوض السليم بمياه الفيضان،حين أغطس في طرف البحر وأشاهد الأسماك أشكال وألوان، الصِّيرة والدّبِس والعَرّة، وخشم البنات، والدشكوق والبلطي والكور والكجكيج، البردة أم برق، أيام الترمس والفول والقِرلّة الحندقوق، الكتيح، الحارة، البُقُنور، التاويل، التِّروب السنمكة، الحزا، الضريسة، الحسكنيت، اللوبيا والدقنتيق، حليل زمن الكاويق! تذكرت حين كانت تجلس على حافة الكَروكي مع شقيقاتها وتشاهد أسراب الطيور الآتية والغادية، الوزين، البجع، أب سعن، طير البقر، الرهو، السُّقد، الدباس، الحمِّيري، البارقيط، الكُليد، القيردون (ال حجّت وما مدنت)،طير الجنة، طير المريق، طير الدبييب، البوقود والدجة، الحدية، البومة، الصقر، الرخمة، يعاودها الحنين حتى إلى رؤية جداد الوادي!
قالت له: مشكتك يا طويل هدبة إنك تهيج في موسم الدميرة، اليوم كله تهدر وتَرُش وتأكل سنونك وتأبى الأكل وريحتك تبقى ريحة رشاش و"تكاتل" فحول الأبل الأخريات بسبب وبدون سبب! وتكون شرس تتذكر السنة الفاتت عضيت جمل علي ود ضبعة؟ عضيته في قاربه وكسرته؟ أهله قنعوا منه وباعوه للجزارين؟ خليت أمه تَحِن ستة شهور؟ قال ليها "ياولية دا شئ طبيعي، لازم أهيج وأهدر وأهرش وأرش وأصر نايبي وأخَوِّف الآخرين! والله دايراني ابقى إضينة وأجي أشاروك بعدين أهدر؟ ال يسمع كلام مرته ندمان من زمن أمنا حواء ال مرقت آدم من الجنة! سكتت ثم قالت "حاشاك، أنت عاد زيك وين في، الله خلقك واحد بس (حر عنافي نسل أماتو قاطع الشك . وجدو الاربد السابق خيول المك) ثم أردفت "يا ديك الاضاليم النفر جيزانو .. أبوك تيس المسافات الفرق كيعانو" .إنت سيد الجمال جت من أبو فاطمة للقدار، بس دايراك تعقل شوية" ثم أضافت قائلة: يا طويل هدبة، قالوا الحريم جزائر، ماتلوم من طرف، في مرأة بستين راجل! بعدين أنت ماسمعت زوجة سيدنا أيوب التي قصَّتْ شعرها وباعته وأتت بثمنه طعاما لزوجها المريض؟ خليك من نسوان الأنبياء أنا دي كم مرة ذقت المر وأنتظرتك بالشهور تسافر وتجئ؟ وكم مرة بعت دهيباتي علشان أحل دَيْنَك؟ وزي ما شايفني النهار كله شغالة وطول الليل أقوقي علشان تنوم . قال لها: عاد إنتِ زيك وين في؟ من مصر ولا تخوم دارفور ولا حلايب ولا مدني ما لاقتني واحدة زيك!
البرق شال مزَيِّنا سماء البلد بسيطانٍ لها وميض يجهر العيون تتعرج خطوطها غرباً وشرقاً يخلفها رعدٌ له كرير وانطلقت زيفة خريف تبشر بالمطر، تحركت في جوفه كوامن الذكريات، نظرت إليه فرأت في وجهه سحنة حزنٍ فتذكرت أن البرق والرعد يذكره موت أخته فإنها كانت ناقة من كرائم الأبل لا ترضى ممتطيا لها غير صاحبها، باعها صاحبها لضيق ذات اليد فانشقت من الغلب في ليلة ماطرة ومرعدة من ليالي الخريف!
أرادت أن تغيّر الجو فأدارت صباع المذياع فصدح سليمان الهاوي "ما شقيتك" وضعت أمامه الجبنة تناول رشفة، ودندن مع الراديو (الوداع الوداع حبيبي الوداع، الودآآاع) غادر بعدها الجمل يبحث عن رزق اليوم في أطراف الجزيرة الصفراء فأَجاءَها المخاض ولما "حرّت الوجعة" كلمت الفأر فاتصل بالأسعاف بمستشفى الدايات الملكي ببركة الملوك. وخاطبت الفأر قائلة " يا أب ضنبا، إن شفتَ طويل هدبة قول ليه مرتك في غلبا" ذهب الفأر مستعجلا للجمل ليخطره بالرسالة فغضب الجمل لتقصيره في شأن زوجته القعونجة قائلاً "وا هملت نسانا (نسائنا) ، بالله شوف اليسوانا وال مايسوانا بقى ينضم معانا" ذهب الجمل للمستشفى ليتحمدل السلامة وبرك جوار الطفل وقال له "يا جنا ها تقدر تهدر وترغي؟"، فقال له الشافع أنا أغوغي وأرغي وأهدر " ثم صاح "(غووغ غووغ عاع عاع، غووغ غووغ عاع عاع)، ثم أخرج هدارته وهدر " إنق بُل بُل بُل".
انتهز الفأر فرصة غياب الجمل والذي ذهب يبحث عن "حُرارة" (حُلالة)، اختلس الفأر النظر فرأها في أجمل حُللها: الشف الجنيه، العكش، حفيظة القمر بوبا، السوميت والغوائش، الفدوة، الرشمة، العاج والحجول، الشلوخ المُسطرة ، ثم نظر في عينيها فتذكر قول إيليا " لَيتَ الَّذي خَلَقَ العُيونَ السودا خَلَقَ القُلوبَ الخافِقاتِ حَديدا". خُيِّل إليه كأنه سمع ابن البادية يصدح" النجيمات والخصل فى عناق وفى غزل نسجت حوله القبل" ثم ناغمها في صوت خفيض قائلاً : "يا انتي شنو ال عاجبك في طويل هدبا دا؟ عنده ضنب أنا عندي ضنب؛ عنده أربعة كرعين أنا كمان عندي أربعة كرعين، أنا زيو بالزبط، عندي الإضنين العيون والنخرة زيو؛ فارقيه أنا باخدك" ! قالت له هوووي هوووي، الجمل شيّال التقيلة يعيش شهر بدون أكل موية، وبعدين الجمل يأكل الشوك أنت تقدر تأكل الشوك يا آكال الوساخة؟ وبعدين شن يجيب الزعلوك لي أولاد الملوك؟ أخّوو ..أنت الكدندارة أم شوك (خادم العقرب) ابتك! تجئ تنضم مع ستك ست البر والبحر؟ عاين أنا ساكنة في جنينة، أمش كدي شوف ليك جُحُر اندسا فيه! قال لها وقد استشاط غضبا "خليكي قاعدي في الكروكي دا ال زي قبور الكفار من فوق جنينة ومن تحت نار" صاحت هي بُررررة، ارتبك وأصابه الهلع ثم فر واختفى في لمح البصر! "القرادة التي جابت السمسم من القضارف مع الجمل"، قهقهت بأعلى صوتها في مراغة مجاورة صائحة "قطعتي قلبو"..
طبّقت ثوب البنقال ووضعته على كراب العنقريب جلست بقربه على التبروقة ممدةً رجليها تهبب وجهها من الحر بطرف طرحتها تتذكر أماتها وأخواتها وأيام المرح والحبور، قالت مخاطبةً طويل هدبة: حليل أيام الدميرة حيث يمتلئ حوض السليم بمياه الفيضان،حين أغطس في طرف البحر وأشاهد الأسماك أشكال وألوان، الصِّيرة والدّبِس والعَرّة، وخشم البنات، والدشكوق والبلطي والكور والكجكيج، البردة أم برق، أيام الترمس والفول والقِرلّة الحندقوق، الكتيح، الحارة، البُقُنور، التاويل، التِّروب السنمكة، الحزا، الضريسة، الحسكنيت، اللوبيا والدقنتيق، حليل زمن الكاويق! تذكرت حين كانت تجلس على حافة الكَروكي مع شقيقاتها وتشاهد أسراب الطيور الآتية والغادية، الوزين، البجع، أب سعن، طير البقر، الرهو، السُّقد، الدباس، الحمِّيري، البارقيط، الكُليد، القيردون (ال حجّت وما مدنت)،طير الجنة، طير المريق، طير الدبييب، البوقود والدجة، الحدية، البومة، الصقر، الرخمة، يعاودها الحنين حتى إلى رؤية جداد الوادي!
قالت له: مشكتك يا طويل هدبة إنك تهيج في موسم الدميرة، اليوم كله تهدر وتَرُش وتأكل سنونك وتأبى الأكل وريحتك تبقى ريحة رشاش و"تكاتل" فحول الأبل الأخريات بسبب وبدون سبب! وتكون شرس تتذكر السنة الفاتت عضيت جمل علي ود ضبعة؟ عضيته في قاربه وكسرته؟ أهله قنعوا منه وباعوه للجزارين؟ خليت أمه تَحِن ستة شهور؟ قال ليها "ياولية دا شئ طبيعي، لازم أهيج وأهدر وأهرش وأرش وأصر نايبي وأخَوِّف الآخرين! والله دايراني ابقى إضينة وأجي أشاروك بعدين أهدر؟ ال يسمع كلام مرته ندمان من زمن أمنا حواء ال مرقت آدم من الجنة! سكتت ثم قالت "حاشاك، أنت عاد زيك وين في، الله خلقك واحد بس (حر عنافي نسل أماتو قاطع الشك . وجدو الاربد السابق خيول المك) ثم أردفت "يا ديك الاضاليم النفر جيزانو .. أبوك تيس المسافات الفرق كيعانو" .إنت سيد الجمال جت من أبو فاطمة للقدار، بس دايراك تعقل شوية" ثم أضافت قائلة: يا طويل هدبة، قالوا الحريم جزائر، ماتلوم من طرف، في مرأة بستين راجل! بعدين أنت ماسمعت زوجة سيدنا أيوب التي قصَّتْ شعرها وباعته وأتت بثمنه طعاما لزوجها المريض؟ خليك من نسوان الأنبياء أنا دي كم مرة ذقت المر وأنتظرتك بالشهور تسافر وتجئ؟ وكم مرة بعت دهيباتي علشان أحل دَيْنَك؟ وزي ما شايفني النهار كله شغالة وطول الليل أقوقي علشان تنوم . قال لها: عاد إنتِ زيك وين في؟ من مصر ولا تخوم دارفور ولا حلايب ولا مدني ما لاقتني واحدة زيك!
البرق شال مزَيِّنا سماء البلد بسيطانٍ لها وميض يجهر العيون تتعرج خطوطها غرباً وشرقاً يخلفها رعدٌ له كرير وانطلقت زيفة خريف تبشر بالمطر، تحركت في جوفه كوامن الذكريات، نظرت إليه فرأت في وجهه سحنة حزنٍ فتذكرت أن البرق والرعد يذكره موت أخته فإنها كانت ناقة من كرائم الأبل لا ترضى ممتطيا لها غير صاحبها، باعها صاحبها لضيق ذات اليد فانشقت من الغلب في ليلة ماطرة ومرعدة من ليالي الخريف!
أرادت أن تغيّر الجو فأدارت صباع المذياع فصدح سليمان الهاوي "ما شقيتك" وضعت أمامه الجبنة تناول رشفة، ودندن مع الراديو (الوداع الوداع حبيبي الوداع، الودآآاع) غادر بعدها الجمل يبحث عن رزق اليوم في أطراف الجزيرة الصفراء فأَجاءَها المخاض ولما "حرّت الوجعة" كلمت الفأر فاتصل بالأسعاف بمستشفى الدايات الملكي ببركة الملوك. وخاطبت الفأر قائلة " يا أب ضنبا، إن شفتَ طويل هدبة قول ليه مرتك في غلبا" ذهب الفأر مستعجلا للجمل ليخطره بالرسالة فغضب الجمل لتقصيره في شأن زوجته القعونجة قائلاً "وا هملت نسانا (نسائنا) ، بالله شوف اليسوانا وال مايسوانا بقى ينضم معانا" ذهب الجمل للمستشفى ليتحمدل السلامة وبرك جوار الطفل وقال له "يا جنا ها تقدر تهدر وترغي؟"، فقال له الشافع أنا أغوغي وأرغي وأهدر " ثم صاح "(غووغ غووغ عاع عاع، غووغ غووغ عاع عاع)، ثم أخرج هدارته وهدر " إنق بُل بُل بُل".
انتهز الفأر فرصة غياب الجمل والذي ذهب يبحث عن "حُرارة" (حُلالة)، اختلس الفأر النظر فرأها في أجمل حُللها: الشف الجنيه، العكش، حفيظة القمر بوبا، السوميت والغوائش، الفدوة، الرشمة، العاج والحجول، الشلوخ المُسطرة ، ثم نظر في عينيها فتذكر قول إيليا " لَيتَ الَّذي خَلَقَ العُيونَ السودا خَلَقَ القُلوبَ الخافِقاتِ حَديدا". خُيِّل إليه كأنه سمع ابن البادية يصدح" النجيمات والخصل فى عناق وفى غزل نسجت حوله القبل" ثم ناغمها في صوت خفيض قائلاً : "يا انتي شنو ال عاجبك في طويل هدبا دا؟ عنده ضنب أنا عندي ضنب؛ عنده أربعة كرعين أنا كمان عندي أربعة كرعين، أنا زيو بالزبط، عندي الإضنين العيون والنخرة زيو؛ فارقيه أنا باخدك" ! قالت له هوووي هوووي، الجمل شيّال التقيلة يعيش شهر بدون أكل موية، وبعدين الجمل يأكل الشوك أنت تقدر تأكل الشوك يا آكال الوساخة؟ وبعدين شن يجيب الزعلوك لي أولاد الملوك؟ أخّوو ..أنت الكدندارة أم شوك (خادم العقرب) ابتك! تجئ تنضم مع ستك ست البر والبحر؟ عاين أنا ساكنة في جنينة، أمش كدي شوف ليك جُحُر اندسا فيه! قال لها وقد استشاط غضبا "خليكي قاعدي في الكروكي دا ال زي قبور الكفار من فوق جنينة ومن تحت نار" صاحت هي بُررررة، ارتبك وأصابه الهلع ثم فر واختفى في لمح البصر! "القرادة التي جابت السمسم من القضارف مع الجمل"، قهقهت بأعلى صوتها في مراغة مجاورة صائحة "قطعتي قلبو"..
No comments:
Post a Comment