خوفي
مِنَّكْ
Abdelrahim M Salih
Abdelrahim M Salih
حين صدح بها على مسرح حامدنارتي
الإبتدائية توقف كل شئ في الوجود حولنا إلا قلوبنا النابضة ويده تعلو وتهبط على
أوتار الرباب وحين وصل "وتنساني وتنسى الليــــــــــــــــــــالي"
وأمدَّ وأمالَ وأطالَ شهقت الحشود، فتوقف حفيف نخلات ودجيرين وانقطع تسبيحها تسترق
السمع! خُيِّلَ إلينا أن "توريق" ساقية ود علوب صاح فوق
"أُنبق" الدوم كماناً يعزف الألحان وأن سندانات مطارق الحداديد انتصبت
طبولاً تضبط الإيقاع. كل شئ سكن وكأن الزمن قد توقف إلا رقة الوتر الحنين. برقت
يومها أمام أعيننا حقيقة أن فقدان البصر للكفيف لا يعني فقدان البصيرة، وكانت
لحظات أقوى من ألف محاضرة ويزيد! تدغدغت رواشن وشُرفات أخيلتنا حين رفع رأسه ودمعت
عيناه الكفيفتان أو هكذا خُيِّل إليّ، "يا حبيبي أنا خايف ياما بعدك أنسى
حالي" وامتدت خيوط اللحن والكلمات مضيئةً في دوائر ولفات تتداخل وتتلاشى كلما
كرّر "كل نظرة من عيونك فيها سلوى"، "كل نسمة من ديارك فيها
نجوى". لمعت عين مشرف الجمعية الأدبيّة الواقف في مدخل الرُّواق (على يمين
جاه الرسول) واشرقت ملامحه مذهولاً وهي ينظر إلى عين الفن والبراعة يتجلى واقعاً
لا خيالاً ويتساءل مثلنا من هذا الشاب الكفيف الذي أدرك سر أفلاك الكلمة والنغم؟
ثم تسمو وتهبط بنا الأوتار بصحبة تلك التنهيدة "آه لو بـ بسمة" فيرتعد
الهواء "قوووولا آآحباك" فتتمرد خصلات الشعر تحت طُرح الطالبات! ثم
ينهال على أوتار الرباب عزفاً ولحناً يفوق فيها أوتار زرياب الموصلي مغني الخليفة
هارون الرشيد. ياله من شاب كفيف أنار لنا الطريق وغرس حب الفن على ضفاف ماضينا
فكان مثل أورفيوس المغني في ملحمة هوميروس أو مثل أسماعيل الولي صاحب الربابة
المذكور في كتاب الطبقات . بقيت ألحانه وصدى تلك الأيام مثبتة على جدار الذكرة تشع
حية تعزف على أوتار الزمن والذكريات!
أني
رجلٌ مسجون في ذكرياته، الذكريات والأحداث تمر بخاطري ولا تثبت وأحياناً لا ترسو
على بر! وأشعر أحياناً أن ما حدث معي في صغري لا يخصني وحدي فأكتب لجيل
"الزمن الجميل"،
No comments:
Post a Comment