أُحجيتان
من دنقلا
عبدالرحيم
محمد صالح
Salih@american.edu
أُحْجِيَّة
(١)
النوع: (AT 321)
حقوق النشر والطبع محفوظة
عبدالرحيم محمد صالح
© Abdelrahim
M Salih
أربعون بالتمام والكمال كان عدد زوجاته اللائي في عِصمته! للرقم "أربعين" مدولات كثيرة في ثقافتنا كما تعلمون، وقد يذهب مذاهب شتى وهو رقم مفصلي في طقوس النُفاس، الحِداد، الزواج وغيرها كما هو معروف . في يوم من الأيام لاقته بت سمحة خلآاس[3] لكن أتاريها[4] بت سحّاريات! تعلق بها وطلب الزواج منها فتمنّعت، وكانت كلما تمنّعت وصدته ازداد ولهه وتعلقه بها وازداد بذلك هيامه وشحتفة روحه! وهو رجل غنىٌّ، الغنيُّ الله، ماتعود أن يُرفضَ له طلب! أصبحت شغله الشاغل لايريد شئيا في هذه الدنيا غيرها! قالت له يوماً سأوافق على الزواج لكن بشرط: تقدد عيون حريمك ديل جت وتقلعن وتجيبهن ليّ في برطمانية[5]. فوافق على طلبها فوراً ودون أدنى تفكير! فتم لها ما أرادت وقام هو بنفسه بفقئ أعين زوجاته الأربعين واحدة تلو الأخرى، إلا أنه أخطأ حين فقأ عين أحدى نسأئه وكانت عوراء، ففقأ العين المعطوبة وترك السالمة فصارت الوحيدة التي ترى (الأعور في بلد العمايا شوّاف) وكانت كلما ولدت أحداهن مولودا ذكراً كان أو أنثى، تقوم جميع النساء بأرضاعه حتى "يتدوعل"[6] سريعا لتأكله فكانت تحب أكل الأطفال. ظلت تأكل "جنيات"[7] ال أربعين امراة ردحاً من الزمن. تمكنت المرأة العوراء أن تخبئ أحد أبنائها حيث ألبسته ملابس النساء حتى كبر وقوي عوده وصار رجلاً. حرصت والدته أن تربيه على الصلاح والفلاح والتقوى فنشأ رجلا شهماً كريما يكره الظلم والظالمين. ما أن عرفت بت السحارة بأمره حتى جنّ جنونها وقالت للزوج: الولد دا أنا دايرة أرسلو عشا لي أُماتي وحبوباتي! أمسكوا بالولد وأوثقوه بالحبال وكتبت بت السحارة ورقة مكتوب عليها "جاكن عشا من فاطنة بتكن قرمشنو"[8] وصرّت له الورقة في طرفه وتم أرسال الولد إلى جزيرة السحاحير! وفي الطريق إلى جزيرة السحاحير ناموا في مسيد ونام هو موثق بالحبال وفي طرف ثوبه الورقة! مرّ عليهم نبي الله الخضر وهم نائمون ففتح الصُّرة وقرأ الورقة وقام بتعديلها من "جاكن عشا من فاطني بتكن قرمشنو" إلى "دا ولد فاطني بتكن اتلطفن به" وما أن وصلوا الجزيرة ورأت السحّاريات السبعة الولد موثوق بالحبال هرولنّ صايحات "دا عشا من فاطني..دا عشا من فاطني" ولكن بعد أن قرأنّ الورقة "دا ولد فاطني بتكن اتلطفن به [9]" زغردن فرحات بتنا فاطني جابت ليها ولد وضبحوا له الكبش الكبير واحتفين به. بعد أن أكل وارتاح لقى في الأوضة سبع قمريات ولمبة بِنيّة[10]، سألهن ديل شنو؟ قالن دي روح أمك فاطني، ودي روح عمتك فلاني، قال يعني ديل أرواحكن قالن له إييي. وسأل اللمبة دي شنو قالن له دي روح أمنا الكبيرة الجالسة في العنقريب[11] ديك. ثم سأل البرطمانية ديك شنو؟ ديك فيها عيون حريم أبوك، تاني مابيشوفن إلا يركبوهن ليهن ويحلبو لبن العزّ الزرقاء الوالدة تيمان يسوهو ليهن قطرة. طيّب الركابّة[12] ديك شنو؟ الركابة لو ركبت عليها تطير بك ي سرعة البرق إلى أيّ مكان تريد على سطح الأرض، ولو لمست بها حائط القصر قبل تركب يطير بك ويتبعك القصر إلى أيّ بلد تريد!
فكر قليلا ثم ألقى بنفسه على الأرض صائحاً مستغيثا
"بطني... بطني... بطني" ساد مرج وهرج لأن وجع البطن ليس من أمراض السحاحير،
ثم قال علاجي لبن الغزالة البكر بت البكر، انطلقت السحاحير في الوديان، وكان كلما ابتعدت
واحدة أخذ روحها بقتل قمرية روحها، قتلهن جميعا وعاد إلى القصر نفخ لمبة الِبنيّة فماتت
السحارة الجدة الجالسة. بقيت قمرية واحدة هي روح مرة أبوه بت السحارة، حملها مع برطمانية
العيون ولمس حائط القصر وركب على الركابّة وسرعة البرق عاد بالقصر إلى دياره. قتل القمرية
الروح الأخيرة فماتت زوجة
أبيه بت السحارة. ركب عيون النساء فأبصرن، بأذن الله، وسكنوا جميعاً في القصر. وفي
منتصف الليل سمع طرقا شديداً على
الباب على يقول له أفتح
الباب، أنا أبوك!، قال الابن أذهب إلى نسائك فإن أدخلنك لامانع عندي!
عبدالرحيم
محمد صالح
أُحْجِيَّة
(٢)
النوع: D 330
كانت تذهب عصرا
لتَلِمَّ الكاويق[13]
وتأتي بالقليل من السبروق[14]
من عند الجرف الكبير الموازي لجزيرة السحاحير[15]،
رأها وأحبها وصار ينتظرها عصراً في كل يوم من أيام الله يلّوح لها وتؤمي له بالنظر
في اتجاهه وإصلاح طرحتها بجرها إلى الأمام قليلا على رأسها! فيسعد بذلك وتسعد هي
به. تعلق قلبه بها بل هام بها وهامت به. وأخيراً فهم من سحب الطرحة فوق رأسها إلى الأمام
إنها تقول له "تقدّم وبشيلك فوق رأسي" فتوكل على الحي الذي لايموت وأفرد
شراع المركب ورسا بها على ضفة النهر اليمنى خائفاً يتوجس من عرب الشرق الشداد
الغلاظ. أسرع الخطا إلى منزل والدتها طالبا يدها على سنة الله ورسوله بعد أن عرّف
نفسه، أوجست الأم منه خيفة حين رفض أن يشرب الشاي باللبن وطلب قهوة بدل الشاي. رفضه
الشاي باللبن جعلها تشك في أن أصله من السحاحير. المعروف عند أهلها من عرب الشرق أنّ
السحاحير لايقربون اللبن. قالت له الأم هذه هي ابنتي الوحيدة وأخشى أن تذهب إلى
جزيرة السحاحير وتنقلب سحارة ويضيع كل شئ، أكد لها أصله وفصله وأقنعها أن ليس كل
سكان الجزيرة سحاحير. رفضت الفكرة وقالت له إنّ ابنتها
ستتزوج ابن عمها ولن ترتبط برجلٍ غريب. مرضت البنت من
شدة حبها له وتعلقها به ونحل جسمها فخشيت عليها من الموت أو الجنون وظل هو يحث
الأم ليل نهار على الموافقة، فوفقت على مضض، لأنها كانت تخشى من أن تنقلب ابنتها
سحارة، فتم الزواج على
عجل ورحلت مع زوجها إلى جزيرة السحاحير.
مرت ستة أشهر كاملة ولم تجئ البنت لزيارة أمها كعادة
أهل البلد. قررت الأم أن تزور ابنتها فاطلقت شراع المركب، رغم الخوف الشديد، لترسو
جوار منزل ابنتها في رأس جزيرة السحاحير، وقفت أمام البيت فتأكدت من أن الزوج ليس
موجوداً. وأول ما دخلت المنزل رأت أبنتها جاثمة على المرحاكة تغني بصوت خفيض
وأثناء ذلك مدت ضنبها ( أي ذيلها ، ذنبها) قدّمت (أصلحت) به النار تحت قدر يغلي.
انخلعت (أي أصابتها خلعة) الأم لما رأت ذلك وقالت
"ممممم" ثم سكتت بعد أن وضعت يدها على فمها وكانت في الحقيقة تريد أن
تقول "سجم خشمي"[16]
لكنها آثرت أن لاتفعل ذلك. تأكد لها أن ابنتها انقلبت سحارة! جلست خائفة ولاحظت أن
ابنتها تتلمظ "تمطِّق" كثيرا وتنظر أليها نظرات غريبة. وسألتها البنت يا أمي أنتِ كنت بتقصدي شنو لمن قلت
"ممممم"[17]
، قالت الأم لا يابنيتي وحاة[18]
الله ما بقصد شئ غير "هناكي وعيشتك السمحي مع أبو جناكي"![19]
أدركت الأم أنها يجب أن تخرج من الجزيرة قبل المغيب وإلا ستؤكل! استأذنت من البنت
ولكن البنت، بعد أن مطقت كثيرا، سألت الأم مرة أخرى ياأمي أنتِ كنت بتقصدي شنو لمن
قلت "ممممم" ، أكدت الأم مرة أخرى "لا يابنيتي وحاة الله ما بقصد
شئ غير "هناكي وعيشتك السمحي مع أبو جناكي"!
واسرعت الأم وغادرت الجزيرة وبعد إن رست بالشرق صاحت
البنت ياأمي هووووي[20]
أنتِ كنت بتقصدي شنو لمن قلت "ممممم" ، هذه المرة وبعد أن نجت قالت الأم
كنت بقصد " رمادك وسجمك وقدييم
النار بي ضنبك"، عضت البنت على يدها صايحةً " أحييي يا" ما كان
تقولي كلامك دا وإنت هنا كان خليت لحمك لقمة و دمك جغمة! نظرت
إليها الأم من بعيد وعلمت لها "الكيّة كية"[21]
وذلك بوضع وتحريك قبضة يدها اليمنى على راحة يدها اليسرى في حركة دائرية وكأنها تهرس شئيا.
من ناشق
الذاكرة و واوِر الذكريات
[13]الأوراق
المتساقطة من نبات اللوبيا يتم جمعها كعلف للحيوانات
[14]السبروق
هي أوراق نبات البامية الخضراء وتستعمل في عمل الإيدام الخاص ببعض الوجبات
[15]السحاحير
جمع سَحّار المؤنث سحّارة كائنات أسطورية شبيهه بالبشر ولها المقدرة على إخفاء
ذيلها وإظهاره وهي من أكلة لحوم البشر الأحياء منهم والموتى
[19]أي
هناؤك وعيشك الجميل مع زوجك
No comments:
Post a Comment