Monday, September 2, 2024

فنجان جبنة

 فنجان جبنة

عبدالرحيم محمد صالح
شابة سعودية مليحة فيها لمحة سودانية، في عباءة فاخرة مستندة على كاونتر أحد المقاهي في المبنى الزجاجي على شارع الهجرة المؤدي إلى الحرم على رأسها وشاح أسود يغطي شعرها باسترخاء تفلت منه ضفيرة شعر مسدولة ناحية اليسار! دفعت وشاحها لجذور شعرها الفاحم الكثيف إلى الأمام وعدلت وضع الفوطة المنمنمة الملفوفة حول خاصرتها، نظرت إلى زيّه السوداني وقالت له مازحةً، لن أصب لك القهوة إلا إذا قلت لي "يا ست البنات"! تاه في لهج نطقها لـ "قلت لي" خرج من دهشته وهو يكرر " يا ست البنات لحدهن". شعر الحاج (أب قلباً رهيف) بإنّ عمره أصبح ٢٥ سنة أو هكذا خُيّل إليه! حرص ألا يقع بصره ببصرها تأدباً لكن أهتز وجدانه وعزف مغنياً مع فهيمة عبد الله وعلاء الدين البلولة "يا صيدة يا شبه الغزال، كاتلني في ريدك دلال، عشان عيونك يا جميل أعمل وأسوي المستحيل" وفاحت روائح البن العربي والزنجبيل والهيل والعود الأسود مخلوطة ببرودة المكان وتيار هواء يهب من آخر الردهة. جلدته عيناها كانت نظراتها آتية من ملامح معروفة من ذاكرة بعيدة أو من حياة أخرى، كأنه يعرفها من نبع الماضي أو من أزمانٍ مضت! من روح واحدة انفلقت في مكانٍ يعلمه الله وحده! ربما جاء جدها من بلادنا تلك محمل بالتوق إلى البيت المعمور ليجاور في الربع الأخير من عمره فزرع وبقي (مين عارف المصائر؟) ترك لها ،على الطاولة، إكرامية لا بأس بها، لكنه آثر ألا يذهب ناحية ذلك المقهى مرة أخرى.

No comments:

Post a Comment