Thursday, February 22, 2024

صورة من جداريات الذاكرة

 

صورة من جداريات الذاكرة

عبدالرحيم محمد صالح

خرجت يوم زفافها تتبعها "البَنَيْنة" والعديلة والزغاريد والعطور والبخور. سارت أمام موكبها تلك السيارة التي تتلألأ أنوارها وتصرخ زماميرها وسيارتها المظللة النوافذ مزيّنة بباقات من الورد الأحمر والتولب الأبيض والبالونات الملونة .حين أطلت برأسها في مدخل القاعة رفعت الجامة الدانتيل البيضاء الشفافة عن وجهها، سحبت طوق شعرها المرصّع باللؤلؤ إلى الأمام قليلاً ورفعت أذيال أثوابها ونظرت فلمعت ابتسامتها مثل سوط برقٍ في ليلة ظلماء وبَرَق عقد الكريستال على جيدها فمطت النساء الحضور رقابهن غيرةً وحَدَجَ وحَدّق العزال وبحلقوا من سحرها وازدادوا حسداً، " يا أرض أحفظي ما عليك ـ تبارك الله"! قال أحد الراسخين في الحلم "إنها حين ابتسمت ونظرت إلى الحضور توارت حسان الحور في جنان رضوان ." واحتجب القمر في السماء حتى كدنا نؤدي صلاة الخسوف! وقفت ممشوقة في فستان عصري مبسوط الذيل مثل فرس سباق وقفت معتدلة بوجهها الفاتن وشعرها الفاحم، كبطلات السينما المصرية القديمة، وتحمل بيدها باقة ورد. والورد في يدها يردد بصوت سيد عبدالعزيز" قامتك لينة وعودها سالك ـــ بدر الكون لو كان وفالك ـــ وشاف نورك خجل انطفألك." وردة الألماس أعلى ثديها الأيسر تضئُ مثل قمر بدا خلف تلة .ثم جاءت الموسيقى الدافئة تنساب مع نواح الكمنجات "كيف ينزعوا الصورة المرسومة في قلبي .. أنا صبحي ومسايَ في عَلِّ وعساي بحبك وحاة ربي" كلّ شيء في المكان غنا طرباً في تلك اللحظة حتى الحجر والشجر في بهو المكان اهتز مردداً مع صوت عابدة الشيخ العذب "يا فرحي وهناي فيك أملي ومناي كيف يرضيك جفاي" تقدمت تغوص في زهر حرير السجاد العجمي لتجلس متوردةً على المنصة العالية المُعدّة للمناسبة، كان بوسع الحضور أن يروا انعكاس سواد السجاد وانوار القاعة من قدمها وساقها المخلوفة على الأخرى. لا أحد يستطيع أن يكتب عن الـ (Anointing) وطقوس الجِرتق في تلك الليلة إلا إذا كان يملك حكمة زرادشت وشعر نيرودا وإلهام المتنبئ!

No comments:

Post a Comment