كرامة
عبدالرحيم محمد صالح
كرامة
عبدالرحيم محمد صالح
يا ملكة ياست الفريق"
عبدالرحيم محمد صالح
يا السمحة ما لُمتك أنا ـ فرّقنا حظّنا والزمن، فضل اللحن الجميل في هذه الأغنية الفريدة يرجع للترجمي فقد غنّاها من "جو قلبو" إلا أنّ أداء ود البكري أفضل، حسب إجماع المستمعين، فقد غنْاها بصوت شجي مميز، أدخلت نبرة الحزن بصورة واضحة، وحين يدخل ود البكري على الشطرة الأولى في البيت الثاني "سامع زغاريد في الفريق وقالوا شنطتا والعقد" يدخل الكلام الحوش! وحين يستمر "حسيت بنبضي وقف عديل حتى الفراش ما بترقد". أما أقوى بيت فيها فهو " يوم تمشي لدار العريس ويوم تلبسي الطوق والزفاف إن شاء لبسي يكون كفن". فحسب شخصية وعمر المستمع يجعل ما تستمع اليه من شعر وغناء يوقظ عندك الاشجان يدخل فجاج الروح ولا يخرج. فأن كنت من جيل "الرّعية والربوع" فستتحسس تلك التميمة التي علّقها "الكاهن" الاسطورة محمد جبارة على صدر كل منا "تلات عناقريباً صغار كرابها منقطع نزل ــ والنوم من ال بي فوقها روح داك جفل ــ راقد هناك كوم من ضياع ـ مركب مسافرة بلا شراع وأحلام مسافرة بلا وداع " فتعبر بحر المودة إلى المقل إلى الجنائن والشموس إلى أحد أهرامات الغنا ، فترى لوحات الفن تتصاعد منبثقةً كحبات الرمل من بين أسلاك طمبور ود جبارة لتعانق كبد السماء. أما إذا كنت من جيل "الكاسيت والبكاسي" ستعبر بك الذاكرة إلى "والسمحة قالوا مرحلة جاني الخبر جاني البلا" وهرمين آخرين مصطفى سيد أحمد وشقيقه المقبول شاعر الأغنية والذي عزف عن الزواج في قصة حزينة تعرفونها جيداً (كيف الرجوع لي زوول قنع لملم رفات قلبو الحرق). أما إذا كنت مولوداً في التسعينات ربما أخذتك ذاكرتك إلى "هييي دي مآآلا" أو "ياخالتو ولدك دا" أيهما أقرب إلى وجدانك (No offense) أما إذا كنت من مواليد بعد الألفية فلن تستمع إلى هذا النوع من الأغاني! تذكرنا هذه الأغاني بأغانٍ خلت كنا حين نسمعها وكأننا نقرأ لابن حزم الأندلسي نسرح تلاحقنا أحلامنا أو نلاحقها تتبعنا أو نتبعها .. قيل إنّ الرجل يحتاج أن يسمع ما يفوق استيعابه ليستوعب ما يفوق قدرته على السماع
صورة من جداريات الذاكرة
عبدالرحيم محمد صالح
خرجت يوم زفافها تتبعها "البَنَيْنة" والعديلة والزغاريد والعطور والبخور. سارت أمام موكبها تلك السيارة التي تتلألأ أنوارها وتصرخ زماميرها وسيارتها المظللة النوافذ مزيّنة بباقات من الورد الأحمر والتولب الأبيض والبالونات الملونة .حين أطلت برأسها في مدخل القاعة رفعت الجامة الدانتيل البيضاء الشفافة عن وجهها، سحبت طوق شعرها المرصّع باللؤلؤ إلى الأمام قليلاً ورفعت أذيال أثوابها ونظرت فلمعت ابتسامتها مثل سوط برقٍ في ليلة ظلماء وبَرَق عقد الكريستال على جيدها فمطت النساء الحضور رقابهن غيرةً وحَدَجَ وحَدّق العزال وبحلقوا من سحرها وازدادوا حسداً، " يا أرض أحفظي ما عليك ـ تبارك الله"! قال أحد الراسخين في الحلم "إنها حين ابتسمت ونظرت إلى الحضور توارت حسان الحور في جنان رضوان ." واحتجب القمر في السماء حتى كدنا نؤدي صلاة الخسوف! وقفت ممشوقة في فستان عصري مبسوط الذيل مثل فرس سباق وقفت معتدلة بوجهها الفاتن وشعرها الفاحم، كبطلات السينما المصرية القديمة، وتحمل بيدها باقة ورد. والورد في يدها يردد بصوت سيد عبدالعزيز" قامتك لينة وعودها سالك ـــ بدر الكون لو كان وفالك ـــ وشاف نورك خجل انطفألك." وردة الألماس أعلى ثديها الأيسر تضئُ مثل قمر بدا خلف تلة .ثم جاءت الموسيقى الدافئة تنساب مع نواح الكمنجات "كيف ينزعوا الصورة المرسومة في قلبي .. أنا صبحي ومسايَ في عَلِّ وعساي بحبك وحاة ربي" كلّ شيء في المكان غنا طرباً في تلك اللحظة حتى الحجر والشجر في بهو المكان اهتز مردداً مع صوت عابدة الشيخ العذب "يا فرحي وهناي فيك أملي ومناي كيف يرضيك جفاي" تقدمت تغوص في زهر حرير السجاد العجمي لتجلس متوردةً على المنصة العالية المُعدّة للمناسبة، كان بوسع الحضور أن يروا انعكاس سواد السجاد وانوار القاعة من قدمها وساقها المخلوفة على الأخرى. لا أحد يستطيع أن يكتب عن الـ (Anointing) وطقوس الجِرتق في تلك الليلة إلا إذا كان يملك حكمة زرادشت وشعر نيرودا وإلهام المتنبئ!