كرامة
عبدالرحيم محمد صالح
جزاه الله عنا كل خير، أرسل لنا ثمن هذا الخروف نذره صدقة وكرامة للأهل والجيران. طوى سجادته، لاحقه صوت والده "لا تنس يا ولد
احتفظ لنا بالفروة. على عجل أجاب بالإيجاب، وخرج مصحوباً بدعوات والده له
بالصلاح والفلاح! مُلئت الأباريق وظل فكره مشغولاً وهو يشحذ المدية "سكين
الضبح" على "حجر المسن"!
قال في نفسه الجنة موصوفة بالفواكه في القرآن، حين يذكر اللحم
فغالبا ما يكون لسمك أو طير.. استطرق قليلاً وقال في نفسه لكن "برضو"، هناك ذكر للأنعام والنحر وتذكّر الآية الكريمة (وفديناهُ
بذبحٍ عظيمٍ). كان حريصاً ألا يراه الخروف وهو يشحذ المُدَى (السكاكين). طافت
برأسه وهو يتحسس شفرة السكين وصف حالات الكرب في الأدب الشعبي الذي كان يردده
كثيراً وهو على ظهر حماره "سادراً كان أم مِندلي" "حالي حال ال جنزو وادنو للسكين حالي حال ال في السجن ماخد
تمانية سنين". أخفى السكينة وذهب ناحية الخروف
وحل رباطه لم يطق النظر في عيني الخروف لكنه رغم ذلك فعل. فعين الخروف صفراء وبؤبؤ
العين مستطيل أسود أفقي. تذكّر ما قرأه في كتاب العلوم "إن كانت فتحة بؤبؤ
عين الحيوان رأسية فهو مفترس أما إن كانت أفقية فهو فريسة، حين حدّق النظر لم ير
في عيني الخروف غير الفراغ واللاشئ! وقبل الذبح كالعادة وجب سقيه الماء لكي تتهيأ
عروقه للفتح وكان الخروف لا يزال يلعق، وأضراسه تطحن، قاده جراً من رجله الأمامية اليمنى
وهو يتعثر إلى البقعة التي يذبحون عندها بين البيتين، التراب جاف، مستقبلا القبلة
أرقد الخروف مقلوبا على جنبه، ربض على صدره، ممسكا بالسكين الضخمة وشقيقاه يمسكان
بالأرجل والخروف يثوج ويقاوم. كبر ثلاثٍ و" شخ شخ ضبح"،
طار الدم بعيدا باندفاع وهدأت حركة أرجل الخروف حتى توفقت تمام اكتمل الذبح دون
فصل الرأس عن الجسد! ظلّت عينا الخروف مفتوحتين ولسانه مثنيّ إلى أسفل .مسح المدية
على صوف بطن الخروف المذبوح ووضعت قطعة "بشنتيق" قديم أسفل الرقبة منعاً من أن تصلها الرمال. أعقب
ذلك غسيل الرقبة جيداً من الدم . أحدث فتحة صغيرة خلف أظلاف الرجل الخلفية وأُدخلت
فيها عصا وتم النفخ في الفتحة لتسهيل السلخ. بدأ سلخ الجلد باحترافية من أعلى إلى
أسفل حتى الرقبة. تم فصل الرأس وإخراج الجلد ووضعه على أرض مستوية ليجف، أخرجت
الكرشة ليتم تكليف أحد الصبية بغسلها بعيداً عن المكان، عاد بعد مدة يحملها نظيفة
كبشكيرٍ جديد. تم حقن الماء في أست الذبيحة المعقلة من عراقيبها ليسهل تنظيف
المصارين كان يضغط على المصران بيده اليسرى ويسحبه بيده اليمنى كجراح ماهر. تم وضع
المصران نظيفاً في طرف صينية ألمونيوم كبيرة. ثم بدأ في سلب اللحم وتقطيعه قطعاً
كبيرة حتى لم يبق غير الصلب معلقاً. ضفر بمساعدة شقيقه المصران نظيفاً جميلاً. وضع
الوضم (التولوكي) على قطعة شوال تم تقطيع اللحم وتنظيمه. سُلخ الرأس ووضع بجانب
الكرشة وحُملت الصينية للداخل. لم يبق من الخروف غير آثار الدماء والفِعِج المعروف
بـ "كبير أخوانو". عمت المكان روائح "قلية البصلة" وعلا
الدخان من فتحات ونواشق "الدونكا
No comments:
Post a Comment