حول علاقة الإبل بالشياطين والجن
عبدالرحيم محمد صالح
التحية للشيخ الجليل جمال ابراهيم جُبكان بالمدينة المنورة والذي مدنا بتسجيل صوتي عن الأحاديث الصحيحة التي وردت في شأن خلق الأبل وشرحها. حين بدأت الكتابة عن موضوع الإبل ما كنت اتوقع أن يتعقد ويتشعب إلى هذا الحد. فهناك أحاديث ثابثة وصحيحة (النسائي والإمام أحمد وابن ماجة) جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام قال "صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الشياطين" هذا هو الحديث الأول. وفي حديث آخر أنّ النبي عليه الصلاه والسلام قال "إن لم تجد إلا مرابض الغنم وأعطان الإبل فصل في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل فانها خلقت من الشياطين". وهناك فرق دقيق بين الأعطان والمرابض. مرابض الغنم هي مانسميه زرائب الغنم. أما معاطن الأبل ليست مرحاتها المعروفة بل الأعطان هي أماكن شرب المياه للإبل أيْ أنّ الْأعطان والمَعَاطِن هي مبارك الإبل عند الماء. فقد نهت الشريعة عن الصلاة في أعطان الإبل لأنها خُلقت من الشياطين. قد يذهب هذا الموضوع في ثلاثة اتجاهات. أولاً يبدوا أن الأحاديث الشريفة قد تتعارض مع الآية الكريمة التي أوضحت أن الدواب مخلوقة من الماء، كما أن أصل الانسان مخلوق من الماء. يقول الله عز وجل في سورة النور"والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير" والدابة اسم لكل حيوان ذى روح، الإبل من الدواب فكيف تكون خُلقت من الماء ومن الشياطين في نفس الوقت؟ إذا كانت الإبل قد خُلقِت من الشياطين والشياطين خلقت من النار فكيف يستقيم المعنى مع الآية الكريمة "والله خلق كل دابة من ماء" ذهب البعض في تجاه أنّ الإبل فيها من طبع الشياطين خاصة اذا تمردت وحقدت واذا هاجت فحولها وتشابكت لذلك يتوضأ منها الإنسان من لحمها إذا أكلها .وذهب آخرون أن الدواب لها جسدٌ وروح وأنّ خلق الروح يختلف عن خلق الجسد. بالرغم أن الله سبحانه وتعالى قد خلق سيدنا آدم عليه السلام من الماء والطين إلا إنه خلق الانسان في أربع صور مختلفة. فخلق آدم من الماء والطين، وخلق أمنا حواء من الأب فقط من آدم وخلق سيدنا عيسى عليه السلام من أمه مريم و الصورة الرابعة هي خلق الانسان من أب وأم أي من نضفة. كذلك الإبل فقد خُلِقت من الشياطين وقد خُلِقت من الماء أو من الصخر كناقة سيدنا صالح خلقها الله من صخرة، أو أخرجها من صخرة أو انشقت الصخرة فخرجت الناقة وأمر قوم سيدنا صالح إلا يمَسُّوها بِسوء وجعل لها يوم شربٍ معلوم. وهي لم تكن ناقة عادية وإنما معجزة من الله تعالى وكانت تدر من اللبن ما يكفي لشرب جميع الناس. وقال آخرون المقصود "خلق كل دابةٍ من ماء" هو خلق النوع في بطون الأمهات وليس خلق الأصل أي أن تكاثر النوع يكون من الماء أي المني.
ورغم أن أصلها مرتبط بالشياطين إلا أنّ العضباء كانت مطية الرسول في صلح الحديبية، وعند دخوله مكة فاتحاً، وطاف راكباعليها حول الكعبة معتمراً، وفي حجة الوداع، حيث دعا متكئاً عليها في عرفات، وامتطاها في مزدلفة عند المشعر الحرام وخطب عليها بعض خطبه. لا أعرف إن كان الرسول صلى الله عليه قد ركب الجمل. ولكن هناك حديث غير متأكد من صحته، جاء أعرابي على قعود فسبق القصواء ناقة النبي فشق ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن حقا على الله ألا يرفع من الدنيا شيئا إلا وضعه) إشارة إلى عدم التفاخر. وغنم صلى الله عليه وسلم يوم بدر جملا مهريا لأبي جهل في أنفه برة من فضة، فجعَلَه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في هدْيِه عام الحديبية ليغيظ به المشركين) يعني نحره كهدي. وكان رسول الله علي أفضل الصلاة وأتم التسليم لا يَتكلف النُّزول من فوق راحِلته، بل يصلي عليها، وهذا إذا كان في سَفَر. فكيف يصلي ويطوف ويخطب الرسول الكريم من على ظهر دابة خُلِق أصلها من الشياطين؟ جاء في كتب السيرة أنّ الناقة المعروفة بالقصواء والتي بركت في مربد الغلامين اليتيمين، والذي اتخذ فيما بعد مكاناً للمسجد النبوي الشريف. والناقة كما تقول كتب السيرة اشتراها سيدنا أبوبكر الصديق هي وأخرى من بني قشير وباعها أي القصواء لرسول الله، وماتت الناقة في عهد خلافة سيدنا أبي بكر. فكيف لا نصلي في أعطانها ونتوضأ أن أكلنا لحومها وأصلها من الشياطين ومسجد رسول الله أُقيم في المكان التي بركت في ناقته ؟! هذا يُقرأ مع الآية الكريمة "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت" حيث اختص الله سبحانه وتعالى الإبل من بين مخلوقاته والأية تحثُ إلى النظر في كيفية خلق الإبل.
ومن بابٍ آخر، درسنا عندما كنا طلاباً بالجامعة أن موطن الإبل الأصلي كان في أمريكا الشمالية منطقة ولاية داكوتا الحالية وأنها تطورت من جمل الكاملوبس الذي انقرض (شاهدت هيكل له في متحف في ولاية كالفورنيا) وفي نهاية المطاف هاجرت الإبل من شمال أمريكا إلى ما يعرف الآن بأمريكا الجنوبية (تطورت إلى اللاما غيرها) ، والبعض الآخر إلى الشمال الغربي نحو ألاسكا الحالية. عبرت الحيوانات المتجهة شمالًا إلى آسيا عبر الجسر البري القديم الذي كان موجودًا فيما بعد بين قارات أمريكا وآسيا، وتطورت تدريجيًا إلى جمل شكل الجمل الحالي. وقد ظهر الجمل العربي منذ ما يزيد قليلاً عن سبعة آلاف عام ويُعتقد أنه قد تم كطفرة من الجمل ثنائي السنام وتظهر أقدم إشارة إلى الجمل ذي السنام الواحد على قطعة من الفخار المصري يعود تاريخها إلى حوالي ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد. وهنا ويأتي السؤال الذي يبحث عن إجابة أين تلتقي العقيدة بالعلم في موضوع خلق الإبل؟
No comments:
Post a Comment