Sunday, February 26, 2023

بين أنياب الدنيا

 

بين أنياب الدنيا
عبد الرحيم محمد صالح
تقايضنا الدنيا بشبابنا مقابل ملذاتها وتُرضِع شهواتنا بملاحقتها وتشحن بطاريات أدمغتنا بسرابها! نهرع لاهثين وراء الثراء السريع، السيارات السريعة، وكذا الهواتف حتى الوجبات السريعة تشدنا بعبارات "فلان عَبَر"، فتجثم بركبتيها على أكتافنا تُبَخِرنا بمستكا رغد العيش والأطايب والملذات وتلهينا بتأمين المستقبل وهي تلتهم أعمارنا ونحن نتشرَّب بالخطايا مسلوبي الروح وغارقين في الخواء نركل النعمة ونتشبث في ملذاتها كقرادة في أست بعير. تلبسنا أوشحتها المظرزة وترفدنا بتقنيات تطوي الزمن وحين يدركنا الوقت نحمل عبء الأمانة ويرقبنا الموت للانقضاض وتحين لحظة الفراق الأخير نحدق بأعيننا لأعلى والبصر شاخصاً بين عالمين لا نردّ ولا نجيب فترعص أروحنا خارج أجسادنا ذاهبة إلى حيث أتت، يُدفن الجسد في أصله الذي خُلق منه .تدور علينا عقارب الزمن فنصير مثل أجمة من نبات بري زحفت عليه الرمال وكتابة منسية على شاهد قبرٍ قديم!

Monday, February 13, 2023

شظايا من حكاوي أيامٍ خَلت

 

شظايا من حكاوي أيامٍ  خَلت

عبدالرحيم محمد صالح

"يا مسّاخة الحِلة ... يوم ناس آمنة فاتوا"...

قيل إنّ أشد أنواع الكتابة وجعاً وإيلاماً و"مغسةً" هي التي يكتبها الرجل للمرأة أو عنها! وأشدها متعةً التلصص على أسرارها و"التوهان" بين سطور الكتابة عنها... جعل باب بيتها المفتوح دائماً والمركوز بحجر قِبلةً له! يبحث عن الإشارات المتفق عليها. يتدلى حبل صبره وإلحاحه لرؤيتها فتظهر قطعة قماش واحدة مربوطة على سلك الغسيل يلمحها من بعيد تهبهِب اِنذاراً "خطر ممنوع الاقتراب" أو لو جيت "ح يعلِّقوك". تشتاق روحه إلى رائحتها، إلى رائحة "الدوكي" والعجين الرطب ويشتاق حتى إلى رؤية طائر "البُقُج" ال في الناشق ـ تلك الفتحات الفاغرة في أسقف البيوت! فـ "يزوزي" بصره كبندول ساعة حائط تجاه بيتهم  يواجه بصدرٍ مكشوف رصاص الشوق الحي!   شعر أنّ أمه في ذلك اليوم تراقبه، وهو ينظر إلى "قِبلته"، دون أن ترفع بصرها عن راحيتها الممدودتين للدعاء، فكانت أول من لاحظت نحوله وشحوب وجهه الذي أزكته "سُمرة معشوقته ال في محياها"! بدأ مُفرغاً وهو يمطّ قناعاً من الهدوء على وجهه ومحاولاً الإفلات من "فرنيب" الموقف أو هكذا خاطبه حدسه فأسرع تاركاً وراءه غبار الحرج ولسانه حاله "وإنتو هناك سيد الوجعة ما عارفين حكاياتو"  في بلاد العشق الأبكم ـ بلاد الغيّ حيث أيٌ نظرة مُحَمّلة أو محاولة للتعبير الفردي "البوح" تقود إلى التهلكة. جلس يفكر كيف يفتل حبل الحاضر من "دبيقة" الماضي لينسج عنقريب المستقبل؟ من أين له ببوكس ٨١ ومسجل يصدح بـ " "لما تحلم نورة ترجف ـ لما ريح الواقع المر لعشيش أحلاما تنسف ـ نورة ترجف" "؟ أين له ببخاخات اللفدور؟ من أين يأتي بكروسات البنسون؟

جلس واضعاً رأسه بين راحتيه مستغرقاً مهموماً وقد تقدم لها عريس وأتى لها بالغالي والنفيس. وقفت أمه من خلفه وخاطبته بلسان مبين وهل ترفع العمامة الكبيرة مقام الرجل؟ " كمل دول جقدي دول تِري ؟" وهل الجلباب الطويل يزيد من مقام الرجل؟ "كوس دول جل دول دل تري" يرفع مقام الرجل إطعام الطعام بالقدح الكبير "سلام دول أُقجن دول تِري" ويرفع مقام الرجل رد السلام وقول "فَضّل".  فاستعدلت عبارات أمه لفة رأسه في الحال وسلك طريقاً اختاره الله له ووضَعت الملائكة أجْنِحتها وقد كان.